اقرأ أيضاً

الأحد، 29 يوليو 2018

ما حصل في سوريا


لإيجاز ما جاء في مقالات الكتاب: 

السوريّون الذين تظاهروا ضد نظامهم الفاسد في عام 2011 كان لديهم أسباب عادلة للقيام بذلك، وقد تمّ استثمار ذلك من قبل أجهزة الاستخبارات العالميّة لبدء أبشع حرب في التاريخ الحديث.
أزعم أيضاً أن الحرب في سوريا تمّ صناعتها،  لم تكن أطراف الحرب المعلنة تتحارب فعلاً للسيطرة على أرض أو ثروة طبيعيّة أو أيّ مكسب من مكاسب الحروب التقليديّة، بل كان إنشاء الحرب وإبقائها مشتعلة هو الهدف بحدّ ذاته، وهو مصدر الثروة المراد الحصول عليها بطرق كثيرة ومتنوّعة. هذا يعني أنّ أيّاً من هذه الأطراف لم يكن جادّاً بإنهائها حتّى لصالحه، مع أنّهم امتلكوا الكثير من الفرص لفعل ذلك.

الأدوات التي أدارت بها الاستخبارات السوريّة والاقليميّة والعالميّة  هذه اللعبة - بتناغم في ما بينها وتنسيق ضمني أو علني- هي الإعلام أولاً والرشى وتجنيد المرتزقة وتمويل العناصر الفاسدة وإقصاء، تهميش أو تصفية ما سواها. 


اللاعبون على الأرض (أي المقاتلين الميدانيين من الطرفين النظام والمعارضة، وكذلك معظم السياسيين وغالبيّة الإعلاميّين) ليسوا عالمين بالضرورة بخبايا هذه اللعبة ولا يرون كامل المشهد إنّما هم يتبعون اللاعبين الأكبر الذين يتحكّمون بهؤلاء الميدانيين بأدوات  أهمّها الدعم المالي الموجّه للأقلام والبنادق والذخيرة وقواعد السلام والاستسلام...
المنبع الرئيسي لهذه التعليمات يصبّ في موسكو العريقة في الألاعيب الاستخباراتيّة الدوليّة واسطنبول التي استضافت الاستخبارات الغربيّة والخليجيّة لأجل وأنشطة غير محدودة. هناك الكثير من المؤشرات أثبتت أنّ هذين القطبين (موسكو واسطنبول) متناغمين وليسا متعاديين وهما المستفيدين الأكبر مما حدث وتقاسما الكعكة ونالا حصّة الأسد منها.

الخاسر الوحيد في هذه الحرب هم 23 مليون سوري انتقلت ثروتهم في معظمها وانتهت في أرصدة اللاعبين في المستويات العليا، بعد أن خصّصوا جزء من أرباحهم للاستثمار في مرتزقتهم والمؤتمرين بأمرهم الذين سهّلوا سير هذه اللعبة ومثّلوا الأدوار المطلوبة منهم إلى الآجال المحدّدة لهم، إعلاميّاً، عسكريّاً أو سياسيّاً. هناك مكاسب استخباراتيّة وأمنيّة حقّقها الصف الثاني من اللاعبين الذي اصطفّوا خلف روسيا وتركيا، أي دول الخليج وإيران وبالطبع الولايات المتحدة.



في مرحلة ما، بدا العالم كلّه يرقب بعيونه أولئك السوريين الأشقياء الذين ألقي بهم في المحرقة. على أنّ الكثير من الأطراف،  بما فيهم الكثير من السوريّين أنفسهم، كانوا يصلّون لأن يكون هؤلاء المساكين قرباناً كافياً لتحقيق أمجاد المترفين وأمنياتهم. 
الدول الغربيّة تمنّت أن يكون تقديم هذه الملايين من السوريين على مذبح "الديمقراطيّة"  لاستعادة سوريا من براثن إيران وروسيا إلى بيت الطاعة الغربي أسوة بجاراتها. الدول الخليجيّة كانت تبتهل أن تكفي هذه الأضحية لأن تعود سوريا للحضن السنّي وحبّذا السلفي. السوريّون المترفون في المنافي، بل وحتّى أولئك حديثوا العهد ممّن خرج بعد الثورة وبفضلها، أفراد عائلات رؤساء سوريا السابقين والأسر العريقة الذين يرون أنّهم أولى بما يسرقه بشار الأسد وعصابته وما يتمتّعون به من سلطة ويتمنّون لو أنّ ذلك كان لهم، السوريّون الأتقياء الملتزمون بدينهم حدّ الأخونة أو حتّى الدعشنة، والمقيمون الآن في بلاد الكفر وعلى نفقتها، الجميع الآن يتمتّع برفاهية الوقت الزائد ومتفرّغ دوماً لتشجيع من يتردّد في قذف نفسه في محرقة الأسد والتشنيع على من يتردّد أو تسوّل له نفسه أن يراجع نفسه قبل أن يلقي بأولاده في هذا الواد السحيق من الوحشيّة والإجرام. 

وسائل الإعلام القديمة والمستحدثة فتحت على مصراعيها لمن لم يكن يسمع بأسمائهم فيها، وأعطيت المنابر على مدار الساعة للمستكتبين كي يقوموا بعمليّة تخدير ممنهج للسوريّين ومنع أي محاكمة عقليّة مبنيّة على أسس واقعيّة لما يجري. حتّى في أحلك ساعات  الهزيمة كان هناك من يؤكّد أنّ النظام على وشك السقوط، وكان  الترويج الإعلامي وتسليط الأضواء يحظى به كلّ من يدفع بهذا الاتّجاه أمّا من يحاول تقييم الوضع على أسس الحقائق فمصيره التهميش إن لم يكن التصفية سياسيّاً أو حتّى جسديّاً. لم يعد عدد المستكتبين أو المتحدّثين أو "المفكّرين" يحصى. أيّ حدث مهما كان تافهاً هو مشروع دليل وبرهان قاطع على أنّ أيام النظام باتت معدودة. أحداث من قبيل قبول دعوى ضد ضابط من ضباط الأسد لن يسافر أبداً خارج سوريا،  أو عقوبات تفرضها الولايات المتّحدة على إيران وترفض تطبيقها الدول الأوربيّة، أيّ حدث من هذا القبيل يصلح نواة يحوّلها صغار الكتبة وكبار المفكّرين إلى أنّ أيّام النظام باتت معدودة، ولن يكلّفهم ذلك سوى كاميرا  يتحدّثون أمامها أو لوحة مفاتيح يعبثون بأزرارها، لتتولّى حسابات وهميّة نشر تكهّناتهم بسرعة البرق وبشكل احترافي وباستخدام كافّة الإمكانيّات المتاحة في الفضاء  الإلكتروني.
المحصّلة النهائيّة لكلّ هذا  الجهد هي أنّ السوريّين الذين خسروا ليس فقط ما اكتسبوه من ثروة، بل  وما ورثوه من الأجيال العديدة السابقة، ناهيك عن  الجروح العميقة التي أدمت قلب الإنسانيّة بصورة ملايين الضحايا، خسروا كلّ ما خسروه وهم في نشوة النصر في الوقت الذي يعتقد طاغيتهم نفس الاعتقاد ويخالجه نفس الشعور. وبفضل عمليّة التنويم المغناطيسي هذه غاب أيّ سؤال من قبيل "كيف؟" الجميع واثق من النصر، ولكن  نصر من على من؟ الجميع مؤمن بالثورة ولكن ثورة من؟ إذا كان نصف الشعب السوري أو ثلثيه هجر سوريا. وإذا  كان معظم المؤمنين بانتصار الثورة يؤكّدون هذا الإيمان من منافيهم. وإذا كان السوريّون في المنافي يعتبرون أكثر المقاتلين في صفوف المعارضة عملاء للنظام أو مرتزقة أو قوات مأجورة. كيف ستنتصر هكذا ثورة إن صحّ تسميتها ثورة أو تسمية هؤلاء ثوّار. أولئك الثوّار الذين يعتقدون أنّهم يستحقّون هذا الاسم ولو في منافيهم لأنّهم دفعوا ثمن أعلام للثورة أو مقتنيات تحمل ألوانه يضعونها في سياراتهم وبيوتهم وعلى صفحاتهم الشخصيّة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويرون بذلك ثمناً كافياً للتدليل على ثوريّتهم، المموّلة غالباً من المساعدات المقدّمة من الدول التي لجؤوا إليها.


أيّاً كان موقفنا من الثورة، أيّدناها أو عارضنا قيامها، تمنّينا نجاحها أو لم نرَ فيها إلّا مؤامرة، اشتركنا فيها أو حاربناها، يجب أن نعترف أنّ 99% على الأقلّ من السوريين لم يسهموا بأيّ قرار من قرارات هذه الثورة ولا يمكن أن تحسب هذه الثورة عليهم بأيّ حال من الأحوال. لم يتمّ اختيار قائد عسكري أو مسؤول بالمعارضة بناءً على قرار أيّ من هؤلاء السوريين ولم تتمّ استشارة أحد منهم، بل كانت التعيينات والدعم من خلف الكواليس غالباً بناءً على اعتبار واحد: تخيّر العناصر الأكثر فساداً وتميّعاً ودعمها مع إقصاء العناصر التي لا تتّصف بهاتين الصفتين، وتهميشها أوتصفيتها إن لاح عليها مظاهر الإخلاص أو التمسّك بمبدأ أو موقف.
حتّى قرار بدء الثورة أو انتقالها للعمل المسلّح أو آليات عملها أو أيّ من التفاصيل الصغيرة أو الكبيرة في هذه الثورة لم يتّخذها أيّ من السوريّين، فكيف تحسب عليهم أو نسبتها إليهم أو يتمّ تحميلهم  مسؤوليّة فشلها أو تكنيتها باسمهم أو حتّى -إذا انتصرت- اعتبارها نصراً أو إنجازاً لهم؟ 



لمتابعة قناة خفايا السياسة الدوليّة:
على فيس بوك


على يوتيوب
 


كناب "مالم يقله الإعلام عن الحرب في سوريا" متوفّر حالياً على موقع أمازون باللغتين الألمانية والانكليزية، ويتمّ العمل على توفيره بلغات أخرى

 يمكن مشاركته مع القراء بهاتين اللغتين

هناك تعليق واحد:

  1. ممكن انه لم يعلن اي من السوريين بدء الثورة لكنها شدتهم من اللحظة الاولى والفت قلوبهم حول طموحات وامال ومطالب ارادوها دائما بصمت وخوف وفتحت لهم اول باب للعبور نحو ارادتهم فكيف تلغي دور السوريين في ثورة كان صناعها كثر لكن السوريين رأوا فيها حلمهم

    ردحذف