اقرأ أيضاً

الجمعة، 14 سبتمبر 2018

من يحكم سوريا


نالت سوريا استقلالها بانتهاء الانتداب الفرنسي في 17 آذار 1946.  عقب ذلك شهدت البلاد سلسلة متلاحقة من الانقلابات العسكرية.
كان أوّل انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث بقيادة رئيس أركان الجيش السوري، حسني الزعيم، وأطاح بحكومة البلاد المنتخبة ديمقراطياً. هذا الانقلاب تم تصميمه وهندسته من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية السي آي إيه.
هاشم الأتاسي جاء إلى السلطة في عام 1949 عبر انقلاب قاده سامي الحناوي الذي تولى منصب الرئيس ليوم واحد. ولم يدم حكم الأتاسي طويلاً، فبعد سنة واحدة جاء انقلاب أديب الشيشكلي الأول.
في شباط 1954 ، أطاح انقلاب آخر بحكومة أديب الشيشكلي بعد أن بقي في السلطة ليوم واحد فقط.
 في عام 1961 ، قام انقلاب استعاد سوريّا كبلد مستقل بعد أن ظلّت 3 سنوات كإقليم شمالي من الجمهوريّة العربية المتحدة التي جمعت سوريا ومصر آنذاك.
انقلاب 1963 جاء بحزب البعث إلى السلطة وهو ما دأب النظام السوري على تسميته بثورة الثامن من آذار. هذا الانقلاب كان مستلهماً من انقلاب مماثل حصل في العراق قبل شهر واحد فقط وتمّ هندسته أيضاً من قبل الاستخبارات الأمريكيّة.

انقلاب عام 1966 وقع بعد أحداث 21-23 شباط والتي انتهت باستبدال حكومة البلاد على يد اللجنة العسكريّة والقيادة القطريّة لحزب البعث.



يقول تشارلز غلاس في كتابه "سوريا تحترق":
"لم يكن حكم سوريا سهلاً في يوم من الأيام، يشهد بذلك قادة الحملات العقابية من تيتوس إلى القائد العثماني الأخير. بعد عامين على بدء الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، قامت السفيرة الاسكتلندية هيلين كاميرون غوردون بجولة في البلاد ووصفت فيما بعد الظروف التي تعكّر كلّ حاكم أجنبي أو محلّي، فقد كتبت:
"سكانها يتكوّنون من عشرات الأجناس المختلفة، والأسوأ من ذلك، أكثر من ثلاثين طائفة دينية، وجميعم يغارون من بعضهم البعض ولا يثقون ببعضهم البعض."
مارك سايكس، لاحظ الأمر ذاته في كتابه "دار الإسلام" (1904):
"إن تعداد سكان سوريا غير متجانس إلى حد كبير، وهو تجمع للأجناس المختلفة على نطاق واسع في الدم، وفي العقيدة، وفي التقاليد. إن هذه الحكومة صعبة وخطيرة في آن واحد."

انقلاب حافظ الأسد في 13 نوفمبر 1970 هو كان الأخير في تاريخ سوريا الحديث وقد أسماه "الحركة التصحيحية".

لم يكن مجيء حافظ الأسد وبقائه في السلطة لعقود حالة استثنائيّة على المستوى الدولي. فقد شهدت العديد من البلدان هذا المشهد بالضبط، كالعراق وليبيا وفنزويلا والجزائر وكوريا الشمالية وغيرها... أي: بلد تعصف به انقلابات متوالية ثم يأتي ضابط ليلتصق بكرسي الحكم لعقود دون منازع.

هذا المشهد يطرح العديد من الأسئلة: كيف أمكن لهؤلاء الحكام العسكريين الاستيلاء على السلطة طيلة هذه العقود؟ هل استخدموا أساليب خاصة لإنهاء ظاهرة الانقلابات المتكرّرة؟
وكيف يمكننا أن نفسّر أنهم قد فعلوا ذلك تقريبا في نفس الحقبة؟ هل تعلّموا ببساطة من بعضهم البعض؟ أم أنّ هناك بعض الجهات الأعلى منهم قد زودتهم بوصفات موحّدة ومطوّرة لتحقيق ذلك؟

حسب تقرير أعدّته صحيفة النيوزويك:


"بعد هزيمة ناصر لدول الاستعمار القديم - بريطانيا وفرنسا - في أزمة السويس عام 1956 ، بدأت الأسلحة والأموال الروسية بالتدفّق إلى المنطقة. قام المهندسون السوفيات بتشييد سدّ النيل في أسوان، كما ساعدوا في بناء مدن حديثة في سوريا والعراق اللذين يحكمهما حزب البعث. في تلك الحقبة، درس جيل كامل من الضبّاط والأطبّاء والتقنيّين العرب في موسكو، بما في ذلك الرئيس المصري حسني مبارك وحفتر، والذين تلقوا التدريب في الاتحاد السوفيتي في السبعينيات بعد تخرّجهم من أكاديمية بنغازي العسكرية. ساهم ضبّاط الاستخبارات الروسيّة في بناء الأجهزة الأمنية في ليبيا والجزائر ومصر والعراق وسوريا بناءً على هيكليّة الاستخبارات السوفياتية. مدفوعة باللهفة لإيقاف تأثير الدومينو الشيوعي في الشرق الأوسط، ضخّت واشنطن بالكثير من الأموال. بذا أصبحت إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر - بعد سقوط عبد الناصر- المتلقّين الرئيسييّن للمساعدات العسكرية الأمريكية. تركيا، عضو حلف الناتو منذ عام 1952، استضافت الطائرات والسفن الحربية الأمريكيّة، وكان الأكثر إثارةً للجدل، استضافتها لمنظومة صواريخ جوبيتر متوسطة المدى. […] كان حليف موسكو الرئيسي هو الزعيم الفلسطيني محمود عباس ، والذي حصل على درجة الدكتوراه من موسكو في السبعينيات. زعم باحثون إسرائيليون، نقلاً عن وثائق مفادها أن جهاز المخابرات الروسي الكي جي بي، أن عباس تم تجنيده من قبل جهاز الأمن السوفييتي تحت اسم "كروتوف". نفى المسؤولون الفلسطينيّون هذه المزاعم واعتبروها مجرّد إشاعات إسرائيلية. وسواءً كان عميلاً أو لا، فقد كان عباس "محبّاً للروس ساعياً لإرضائهم" كما يقول زياد أبو زيّاد ، الوزير والمفاوض الفلسطيني السابق. [...] بدأ عملاء موسكو في السقوط الواحد تلو الآخر. كان صدام حسين - الذي تلقى الدعم الأمريكي أحيانًا - أوّلَ الذاهبين. [...] ظلّت القاهرة لفترة طويلة شريكة عسكرية واستخباراتيّة ودبلوماسيّة أساسيّة لواشنطن. وبصفتها الجهة التي تتلقى ثاني أكبر قدر من المساعدات العسكريّة الأمريكية، واصلت مصر هذه الشراكة حتى عندما توترت العلاقات مع أوباما بعد انتزاع السيسي للسلطة في عام 2013. وفي الوقت الذي ظلت فيه العلاقات الوثيقة مع واشنطن مستمرة منذ ذلك الحين ، اعترفت مصر أيضًا بوجود جديد لموسكو عبر استضافة تدريبات جوية لروسيا في العام الماضي - أول ممارسة من هذا النوع في الكرملين في أفريقيا. وفي تشرين الثاني الماضي ، أشارت مصر إلى دعمها لبوتين من خلال كونها واحدة من أربع دول فقط دعمت قرار روسيا بشأن سوريا في الأمم المتحدة. من جهتها دفعت موسكو إلى رفع عقوبات الأمم المتحدة على ليبيا، حيث لا يزال حفتر، وهو حليف السيسي،  ينافس على مركز الرجل الأقوى في البلاد. حفتر قال للصحفيين بعد مؤتمره المصوّر في كانون الثاني على متن حاملة طائرات روسية " بوتين تعهّد بإلغاء العقوبات."

برأيي الشخصي، ومهما قيل عن قوة شخصيّة القادة ودهائهم، لم يكن لمعمر القذافي، حافظ الأسد، صدام حسين، فيدل كاسترو، هوغو تشافيز، عبد العزيز بوتفليقة وغيرهم أن ينجحوا بالبقاء آمنين اعتماداً على دهائهم المزعوم أو شخصياتهم القويّة وحسب.  
عائلة الأسد - على سبيل المثال - تنحدر من أصول غير عريقة ومن طائفة دينيّة مورس التمييز ضدّها عبر التاريخ. وفي مجتمع شديد العنصريّة كالمجتمع السوري، تنخفض فرصة عائلة كعائلة الأسد في حكم قريتها التي تسكن فيها إلى الصفر، ناهيك عن حكم  كامل البلاد وبصورة شبه ملكيّة .
استطاع هؤلاء القادة أن يحكموا بلدانهم بصورة شبه ملكيّة بفضل عمليّة معقّدة وتقنيات ذكيّة سأتناول بعضها بالشرح في الفصول التالية. هذه التقنيات تمتلكها وتحتكر أسرارها بضعة جهات دوليّة على سبيل الحصر ويتطلّب الوصول إليها سلسلة طويلة من العمليّات سأعرض لتاريخ تطوّرها في فصول لاحقة من هذا الكتاب. 

إنّ تأهيل قدرات الأجهزة الأمنية وغيرها من أسباب بقاء الحكم هو عمليّة مستمرّة تحتاج لتحديث مستمرّ وفقًا للمستجدّات الداخليّة والعالميّة وليست عمليّة تنجز لمرة واحدة وتنتهي. كما أنّ الراعي الدوليّ يضمن ليس فقط الاستقرار الداخلي للبلاد وحمايتها من الاضطرابات الداخليّة، بل أيضاً يؤمّن الحماية الدوليّة في مواجهة  أيّ إجراءات أمميّة كذلك. 
هذا يجعل بقاء الرئيس وزواله رهن هذه الجهات التي تحتكر أسباب بقائه وإزالته وعائلته من المكانة التي يحتلّونها، بل ومن الوجود وبأسرع مما يتخيّلون. ذلك أنّ جميع رجالات إدارات الأمن والمناصب الحسّاسة في الجيش والذين يضمنون بقاء النظام يتبعون للإدارات التي درّبتهم وأعطتهم أسرار قوتهم.  

الخطر في وضع كهذا يكمن في أنّ الرئيس يصبح مرتهنا بالكامل لـ"عرّابه" الذي يقدّم له هذه الآليات ويشرف على تحديثها وهو ما يضمن بقاء الرئيس في منصبه.  ففرصة الرئيس ومن حوله الاعتراض على أيّ تعليمات تأتي من "عرّابه" تكاد تكون معدومة.  


ولكن إذا كان  الكفيل الدولي قد تعهّد بحماية الرئيس وبقائه وعائلته في السلطة أو الثروة، فلماذا تفكّر هكذا عائلة حتّى في قول "لا" ، مهما كانت التعليمات الصادرة من تلك الجهات العليا غاية في الجنون والخطورة؟ 




الكتاب متوفّر حالياً على موقع الأمازون باللغتين الألمانية والانكليزية 

يتمّ العمل على توفيره بلغات أخرى

يمكن مشاركته مع القراء بهاتين اللغتين




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق