اقرأ أيضاً

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

التناغم الروسي التركي في صناعة الأزمة السوريّة


القرائن التي بدأت تتكشّف مبكّراً وتزايد وضوحها مع تقدّم عمر الثورة السوريّة تشير إلى أنه ومنذ البداية كان هناك نوع من المحاورة بين روسيا وتركيا. هذه المحاورة أشبه ما تكون بـ"رقصة الموت" حيث يتظاهر الراقصون أنهم يعملون على قتل كلّ منهما الآخر ويجتهدون في ذلك، وكلّما كان هؤلاء الراقصون أكثر إجادة للرقصة كلّما دلّ على مدى التناغم والتقارب بينهم.
روسيا وتركيا حصلتا على نصيب الأسد من ثمار الحرب السورية كما سأفصّله تباعاً.  روسيا تخلّصت من مخزونها من الأسلحة منتهية الصلاحيّة المخزّنة منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، إضافة إلى تحقيق مكاسب سياسيّة وسلطويّة سآتي على ذكرها. في حين لعبت تركيا دورا موازياً وحصلت على نفس القدر من مصادر مختلفة إلّا أنها مساوية في القيمة لما حقّقته روسيا. 


كيف صنع النظام التركي الأزمة السورية

على الرغم من أنّ الإعلام العربي كرّس نفسه لتلميع تركيّا وأردوغان تماماً كما كرّس هذا الإعلام نفسه من قبل لتلميع بشار الأسد وحسن نصر الله وما سمّي وقتها بحلف الممانعة، وقد قام بهذا الدور في التلميع نفس المحطات الإعلاميّة ونفس الأشخاص وبنفس التقنيات والأساليب. وعلى الرغم من أنّه نادرا ما كانت تذكر تركيا حتّى في الإعلام الغربي إلّا ك"بلد جار محايد بريء يحاول فقط أن يساعد" أو أنّه حتّى  "ضحيّة من ضحايا هذه الحرب" ، إلا أنّ الأزمة السوريّة لم تكن لتوجد وتصل إلى ما وصلت إليه لولا تركيّا[1].
بتناغم كامل مع ما كان يقوم به نظام الأسد، كمّلت تركيا الدور بصناعة الأزمة السورية وأدارتها حتّى هذا اليوم بأدوات وخطوات واضحة:

بدايةً قامت تركيّا بإرسال رسائل واضحة لا لبس فيها إلى السوريين (خاصّة للأغلبية السنّية) تحثّهم على المضيّ قدماً في ثورتهم ، واعدة إيّاهم أنّ الأمر بات مختلفاً عن أيّام الثمانينيّات. هذه الوعود لم تكون وليدة الصدفة بل جرى تكرارها عبر سنوات، وتكفّل الإعلام الشريك للحلف التركي بتضخيم هذه الصورة عبر حملة دعاية سياسيّة لأردوغان ما زالت قائمة حتّى اليوم. 
- ثم فُتحت الحدود بشكل لا يعتقد أنّه كان خلافاً لإرادة الاستخبارات الغربيّة وتركيّا  جاهل بما وصلت إليه إمكانيّات مراقبة الحدود والبشر. هذا السماح كان ممنهجاً وبتنسيق مع الاستخبارات الغربيّة التي تكفّلت بنقل هؤلاء المقاتلين من جميع أنحاء العالم وتسهيل حركتهم، مع كميات غير محدودة من الأسلحة، وتمويل وإدارة معلنين من مقرّات وأرصدة في تركيّا. كما أمّن النظام التركي استمرار تنظيم الدولة عبر تسهيل تمويلها وانتقال المقاتلين إليها وتمكينها من بيع نفطها والحصول على ما تحتاجه من إتّصالات وموارد أخرى. 

- لو أنّ هذا السلوك أفضى لإسقاط النظام أو أنّ تركيّا وحلفها فعلوا كل ما بوسعهم لبلوغ هذه الغاية لما كان هناك حاجة لكتابة هذا الكتاب ولما شككت أنّ الرواية التي اعتمدها الإعلام صحيحة. إلّا أنّ ما حدث هو خلاف ذلك. فما أن وصلت  الثورة إلى خطّ اللارجعة حتّى ظهر الوجه الحقيقي لهذا الحلف: فالهدف ليس إسقاط النظام بل خلق الأزمة. ظهر ذلك جليّاً عبر فلترة الأسلحة والسماح بدخول ما يعقّد الوضع ويزيده سوءًا، مع مراقبة صارمة لأيّ أسلحة يمكن أن تنهي الأزمة أو تؤدّي إلى إسقاط النظام.  ليس هذا فحسب، بل إنّ الفصائل التي بذل في تأسيسها وإدخالها المبالغ الطائلة ما إن بلغت الحدّ الذي يحتاجه النظام حتّى أعطيت لها الأوامر من مقارّها في تركيّا بأن تدير ظهرها لهذا النظام وتلتفت لتعقيد حياة الناس في المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه الفصائل. هنا أكرّر تصوير المفارقة: فهذا السلوك ليس من جانب واحد بل منا جانبين متناغمين: ففي الوقت الذي فعلت هذه الفصائل ذلك مطمئنّة غضّ النظام طرفه عنها وانشغل بنفس الهدف: تعقيد حياة الناس في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، دون التعرّض لمقارّ ومقاتلي هذه المعارضة الذي كان من السهل رصدهم واستهدافهم. 
المكاسب التي حقّقها النظام التركي، ناهيك عن المكتوم والذي قبض ثمنه من الدول صاحبة المشروع أي الدول الخليجيّة والغربيّة، إلّا أن هناك مصادر عديدة أخرى أثرى فيها الإقتصاد التركي وصبّت غالباً في أرصدة العصابة التركيّة الحاكمة ومرتزقتها من الأتراك والسوريّين العاملين في الحقل السياسي والإعلامي والموجّهين لغرض واحد هو التعمية وذر الرماد في الأعين ريثما تنتهي هذه اللعبة. النظام التركي والسوري يختطفان حرفيّاً 23 مليون سوري يبتزّونهم ويفاوضونهم ويفاوضون العالم على دفع فديتهم، في الوقت الذي يستفيدون فيه من مصادر غير محدودة تتمثل أساسا في:

• احتكار تجارة شمال سوريا، بما في ذلك حركة التجارة والمعاملات المالية أو حتى المساعدات الإنسانية التي ترسلها المنظّمات الدوليّة والغرب أو السوريّون في المهجر! هذه المساعدات تصبّ في دعم الاقتصاد والبنوك التركية والمقاولين الأتراك حتّى إنّ تمّ فعلاً إنفاقها على السوريّين، علماً أنّ الحال في أغلب الحالات ليس كذلك، فهذه الأموال التي تأتي باسم مساعدات للسوريّين تبقى في البنوك التركيّة وتنفق داخل السوق التركي.
• إغلاق الحدود حيث يضطرّ السوريون الذين هم في أمسّ الحاجة للخروج من سوريا لدفع شاوى كبيرة إلى مافيا الشرطة التركية لدخول تركيا حتّى ولو بداعي العلاج أو للسفر للخارج أو حتّى للعودة لوطنهم من الخارج. 
• الأصول الصناعيّة السوريّة التي أزيلت بصورة ممنهجة، وكذلك الآثار السورية وتجارة الأعضاء البشرية للسوريين، ناهيك عن أنّ تركيّا تستضيف الآلاف ممّن سلب أموال السوريّين عبر الخطف أو السطو أو الاحتيال والكثير من الأساليب الأخرى.   
• الترحيب بالسوريين الأغنياء حصراً والسماح لهم بالعيش مع تكاليف مضاعفة ومتزايدة للإيجار والإقامة ونفقات ابتزاز متزايدة بشكل  يومي.

• أخيراً وليس آخراً ، استخدم السوريين بلا خجل ولا حياء كورقة ضغط على الاتحاد الأوربي لإرغامه على قبول تركيّا في الإتّحاد أو دفع أتاوة لحبس اللاجئين ومنعهم من الوصول للشواطئ الأوربيّة، وهذه البلطجة تتكرّر كلّ يوم لزيادة مبلغ الأتاوة ... 

اليوم أصبح ملايين السوريين في الشمال السوري رهائن لدى تركيّا. الحدود مغلقة في وجه معظم منتجات المزارعين السوريّين بعد أن سوّلت لهم تركيا بأن يمضوا في ثورتهم ووعدتهم بالانتصار لهم وعدم خذلانهم. أمّا البضائع من الطرف التركي فتتدفق دون قيود حتى لو كانت منتهية الصلاحية، رديئة أوحتّى مسرطنة. بعد أن ألقت تركيا الطعم وابتلعه السوريون في بداية الثورة أصبح لدخول تركيا تعرفة موحدة 3000 دولار. 
تستخدم تركيّا لتنفيذ هذه الخطة مرتزقة وظفتهم تحت مسميات مختلفة: إئتلاف، معارضة، حكومة مؤقتة. تختار شخوصها الاستخبارات التركية ولم ينتخبها أيّ من السوريين ولم يستشر أحد منهم بتعيينهم. تدفع لهؤلاء المرتزقة رواتب ومكافآت باهظة تثير الريبة حول الدور الحقيقي لهذه الهيئات والدور الذي تلعبه حقيقة خلف المسميات الوهمية التي تختبئ خلفها.






الكتاب متوفّر حالياً على موقع الأمازون باللغتين الألمانية والانكليزية يمكن مشاركته مع القراء بهاتين اللغتين

يتم العمل على توفيره بلغات أخرى





[1] السيناريو المصري هو الأقرب لما كان سيحدث لولا وجود تركيا في المشهد السوري



لمتابعة قناة خفايا السياسة الدوليّة:
على فيس بوك


على يوتيوب
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق